فصل: ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً}.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نواسخ القرآن



.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}

فيه قولان:
أحدهما: أَنَّهُ اقْتَضَى تَرْكَ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ فَهُوَ مُحْكَمٌ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الحق على قولين:
أحدهما: أَنَّهُ الزَّكَاةُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الباقي البزاز. قال: بنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدٌ الْمُظَفَّرُ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: بنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قال: بنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قال: بنا يَزِيدُ بْنُ دِرْهَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ.
قَالَ أَبُو حفص: وبنا معلي بن أسد قال بنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: بنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ.
قَالَ أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ طاوس عَنْ أَبِيهِ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قال: الزكاة.
قال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا أبو هلال، عن حيان الأَعْرَجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: الزَّكَاةُ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وبنا محمد بن جعفر، قال: بنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: الزَّكَاةُ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي آخَرِينَ. فَعَلَى هَذَا الآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ هَؤُلاءِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقُّ غَيْرِ الزَّكَاةِ أُمِرَ بِهِ يَوْمَ الْحَصَادِ، وَهُوَ إِطْعَامُ مَنْ حَضَرَ وَتَرْكُ مَا سَقَطَ مِنَ الزَّرْعِ، وَالتَّمْرِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَبْنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا الظَّفَرُ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو حَفْصٍ، قَالَ: أَبْنَا يحيى بن سعيد، قال: بنا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: الْقَبْضَةُ مِنَ الطَّعَامِ.
وَقَالَ: يحيى بن سعيدعن سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَآتُوا حَقَّهُ} قَالَ: شَيْءٌ سِوَى الزَّكَاةِ فِي الحصاد والجذاذ إذا حصدوا، و إذا جذوا.
وقال أبو حفص: وبنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِذَا حَصَدُوا أَلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَذُّوا النَّخْلَ أَلْقَى لَهُمْ مِنَ الشَّمَارِيخِ فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ.
قار أبو حفص: وبنا معمر بن سليمان، قال: بنا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {وَآتُوا حَقَّهُ} قَالَ: كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزكا ة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثنا أبي، قال: بنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَبْنَا مُغِيرَةُ عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُعْطُونَ حَتَّى نَسَخَتْهَا، الصَّدَقَةُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، قَالَ: كَانُوا إِذَا حَصَدُوا، وَإِذَا دبس وَإِذَا غَرْبَلَ أَعْطُوا مِنْهُ شَيْئًا، فَنَسَخَ ذَلِكَ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، قال: أبو بكر: وبنا محمد بن بشار قال: بنا يَزِيدُ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ: لَيْسَ بِالزَّكَاةِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا كَيَّلَ قَبَضَ مِنْهُ قَبَضَاتٍ مِنْ شَهِدَ رَضَخَ لَهُ مِنْهُ.
وَاخْتَلَفَ العلماء: هل نسخ ذلك أَمْ لا؟ إِنْ قُلْنَا أَنَّهُ أَمْرُ وُجُوبٍ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فهو باقي الحكم.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآيَةَ.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هذه الآية على قولين:
أحدهما: أَنَّ الْمَعْنَى: لا أَجِدُ مُحَرَّمًا مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَحِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلا هذا، قاله طاؤس وَمُجَاهِدٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا حَصَرَتِ الْمُحَرَّمَ، فَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانَاتِ مُحَرَّمٌ إِلا مَا ذُكِرَ فِيهَا.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ. فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لا يَرَى بِلُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ بَأْسًا، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الآية ويقول: ليس شيء حَرَامًا إِلا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ عَائِشَةَ، والشعبي.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا نُسِخَتْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَائِدَةِ مِنَ الْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ وَقَدْ رَدَّ قَوْمٌ هَذَا الْقَوْلَ، بِأَنْ قَالُوا: كُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْمَيْتَةِ، وَقَدْ ذكرت الميتة ها هنا فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ، وَزَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ، وَبِالسُّنَّةِ مِنْ تَحْرِيمِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمَخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، أَمَّا آيَةُ الْمَائِدَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا، لِأَنَّ مَرْتَبَةَ الْقُرْآنِ لا يُقَاوِمُهَا أَخْبَارُ الأَحَادِ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ السُّنَّةَ خَصَّتْ ذَلِكَ الإِطْلاقَ أَوِ ابْتَدَأَتْ حُكْمًا، كَانَ أَصْلَحَ. وَإِنَّمَا الصَّوَابُ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ تَكُنِ الْفَرَائِضُ قَدْ تَكَامَلَتْ وَلا الْمُحَرَّمَاتُ الْيَوْمَ قَدْ تَتَامَّتْ، وَلِهَذَا قَالَ: {فِي مَا أُوحِيَ} عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي وَقَدْ كَانَ حينئذ من قال: لا إله إلِا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وقعت الْمُطَالَبَةُ بِهَا، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الآيَةُ إِنَّمَا أَخْبَرَتْ بِمَا كَانَ فِي الشَّرْعِ مِنَ التَّحْرِيمِ يَوْمَئِذٍ، فَلا نَاسِخَ إِذَنْ وَلا مَنْسُوخَ. ثُمَّ كَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُهَا وَهِيَ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي مَا أُوحِيَ}.

للمفسرين فيها قولان:
أحدهما: أَنَّهَا اقْتَضَتِ الأَمْرَ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّهْدِيدُ، فهي محكمة وهو الصحيح.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}.

لِلْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَاهُ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ:
أحدها: لَسْتَ مِنْ قِتَالِهِمْ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ.
وَالثَّانِي: لَيْسَ إِلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مِنْكَ بَرَاءٌ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الْجَزَاءِ فَعَلَى هذين القولين الآية محكمة.

.بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}.

قال ابن زيد: نسخها الأَمْرُ بِالْقِتَالِ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَهَذَا لا يُنْسَخُ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ بِكَيْدِهِ: مُجَازَاةُ أَهْلِ الْكَيْدِ، وَالْمَكْرِ، وَهَذِهِ خَبَرٌ، فَهِيَ مُحْكَمَةٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ مِنْ مُنْتَحِلِي التَّفْسِيرِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الآيَةِ الأَمْرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمتاركتهم. قَالَ: وَنُسِخَ مَعْنَاهَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا قَوْلٌ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.

الْعَفْوُ الْمَيْسُورُ وَفِي الَّذِي أُمِرَ بأخذ العفو ثلاثة أقوال:
أحدها: أخلاق الناس، قاله ابن عمر، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: اقْبَلِ الْمَيْسُورَ مِنْ أَخْلاقِ النَّاسِ وَلا تَسْتَقْصِ عَلَيْهِمْ فَتَظْهَرُ مِنْهُمُ الْبَغْضَاءُ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مُحْكَمٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ الْمَالُ، ثُمَّ فِيهِ قَوْلانِ:
أحدهما: أَنَّ الْمُرَادَ بِعَفْوِ الْمَالِ: الزَّكَاةُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا صَدَقَةٌ كَانَتْ تُؤْخَذُ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ الْقَاسِمُ وسالم:
الْعَفْوُ شَيْءٌ فِي الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ، وَهُوَ فَضْلُ الْمَالِ مَا كان عن ظهر غنى.
والثالث: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُسَاهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فيهم قولان:
أحدهما: أَنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ أُمِرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ فِيمَنْ جَهِلَ، أُمِرَ بِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ مُقَابَلَتِهِمْ عَلَى سَفَهِهِمْ، وَأَنَّ وَاجِبَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الآيَةُ محكمة وهو الصحيح.

.بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ الأَنْفَالِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ نَاسِخَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَنْسُوخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَنَائِمَ كَانَتْ حَرَامًا فِي شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ وَجَعَلَ الأَمْرَ فِي الْغَنَائِمِ إِلَى مَا يَرَاهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: أبنا وكيع، قال: بنا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، قَالا: كَانَتِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ فَنَسَخَهَا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} . هَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ آخَرُونَ المراد بالأنفال شيئان:
أحدهما: مَا يَجْعَلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَائِفَةٍ مِنْ شُجْعَانِ الْعَسْكَرِ وَمُقَدِّمِيهِ، يَسْتَخْرِجُ بِهِ نُصْحَهُمْ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ.
وَالثَّانِي: مَا يَفَضُلُ مِنَ الْغَنَائِمِ بَعْدَ قِسْمَتِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَغَنِمْنَا إِبِلا، فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا بَعِيرًا بَعِيرًا». فَعَلَى هَذَا هِيَ مُحْكَمَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمُ باقٍ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا, وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فَإِنَّ عَامَّةَ، مَا تَضَمَّنَتْ أَنَّ الأَنْفَالَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِيهَا وَقَدْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ الْخُمُسِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الأَمْرَ بِنَفْلِ الْجَيْشِ مَا أَرَادَ، فَهَذَا حُكْمٌ باقٍ، فَلا يُتَوَجَّهُ النَّسْخُ بِحَالٍ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْ آيَةٍ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ إِلا أَنْ يُرْفَعَ حُكْمُهَا وَحُكْمُ هَذِهِ مَا رُفِعَ فَكَيْفَ يُدَّعَى النَّسْخُ؟ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ أبو جعفر ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثانية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ}.

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ، مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَالْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ إِلَى أَنَّهَا فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شُعْبَةُ عَنْ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ.
قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنِ الْحَسَنِ، {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ.
قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّمَا شَدَّدَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ.
قَالَ أحمد: وبنا حسين، قال: بنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قال: يوم بدر.
قُلْتُ: لَفْظُ الآيَةِ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَامَّةٌ، ثُمَّ لِهَؤُلاءِ فِيهِ قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفِرُّوا عَنْ مِثْلَيْهِمْ.
قَالَ آخَرُونَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفِرَارِ. فَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَعْلَى مِنْ عَدِدِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَهَبْ إِلَى نَحْوِ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}.

أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ. عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا {وَمَا لَهُمْ إلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ}. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ النَّسْخَ لا يَدْخُلُ عَلَى الأَخْبَارِ، وَهَذِهِ الآيَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ مَنَعَ نُزُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَكَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَغْفِرُونَ بَيْنَهُمْ مَنَعَ أَيْضًا وَالآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا بَيَّنَتِ اسْتِحْقَاقَهُمُ الْعَذَابَ لِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، غَيْرَ أَنَّ كَوْنَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بَيْنَهُمْ مَنَعَ مِنْ تَعْجِيلِ ذَلِكَ، أَوْ عُمُومِهِ، فَالْعَجَبُ مِنْ مُدَعِّي النَّسْخِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذَهِ الآية على قولين:
أحدهما: أَنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ فِي آخَرِينَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فَنَسَخَتْهَا {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآيَةَ.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ ابن محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} نسختها {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} قال أحمد بن محمد: وبنا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَنُو قُرَيْظَةَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهاب، قال: بنا أبو ظاهر قال: بنا شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ قال: أبنا إبراهيم تال: بنا آدم قال: بنا وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} يَعْنِي: قُرَيْظَةَ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَرْكِ حَرْبِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَقَامُوا بِشَرْطِ الذِّمَّةِ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ، وَإِنْ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي مُوَادَعَتِهِمْ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ تَوَجَّهَ النَّسْخُ لَهَا بِآيَةِ الْجِزْيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَفْظُ هَذَا الْكَلامِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الأَمْرُ، وَالْمَرَادُ: يقاتلون مِائَتَيْنِ، وَكَانَ هَذَا فَرْضًا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}، فَفَرَضَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَثْبُتَ لِرَجُلَيْنِ فَإِنْ زَادَ جَازَ لَهُ الْفِرَارُ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بن بندار، قال: أنبأنا أَبِي، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ، قال: بنا حَيَّانُ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قال: سمعت الزبير ابن الخِرِّيت عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قوله عز وجل: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ: فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَفِرَّ رَجُلٌ مِنْ عَشَرَةٍ وَلا قَوْمٌ مِنْ عَشَرَةٍ أَمْثَالَهُمْ، قَالَ: فَجَهَدَ النَّاسَ ذَلِكَ وَشُقَّ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتِ الآيَةُ الأُخْرَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ} الآيَةَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَفِرَّ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلا قَوْمٌ مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَنَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنَ الْعَدَدِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قال: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فَنَسَخَتْهَا {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} نُسِخَ فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ غَيْلانَ قَالَ: أَبْنَا أَبُو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحق بن الحسن، قال: بنا أبو حذيفة قال: بنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} قَالَ: كَانَ لا يَنْبَغِي لِوَاحِدٍ أَنْ يَفِرَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم ابن الحسين قال: بنا آدم قال: بنا وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ قَدْ جُعِلَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِتَالُ عَشَرَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَضَجُّوا مِنْ ذَلِكَ فَجُعِلَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ قِتَالُ رَجُلَيْنِ فَنَزَلَ التَّخْفِيفُ من اللهعز وجل فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا تَخْفِيفٌ لا نَسْخٌ. لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْخِ رَفْعُ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَلَمْ يُرْفَعْ حُكْمُ الأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ لا يُقَاتِلُ الرَّجُلُ عَشَرَةً بَلْ إِنْ قَدِرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الاخْتِيَارُ لَهُ.
وَنَظِيرُ هَذَا إِفْطَارُ الصَّائِمِ فِي السَّفَرِ، لا يُقَالُ إِنَّهُ نَسَخَ الصَّوْمَ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْفِيفٌ وَرُخْصَةٌ وَالصِّيَامُ له أفضل.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}.

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي آخَرِينَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وَلَيْسَ لِلنَّسْخِ وَجْهٌ لِأَنَّ غُزَاةَ بَدْرٍ كَانَتْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ قِلَّةٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ نَزَلَتِ الآيَةُ الأُخْرَى، وَيُبَيِّنُ هَذَا قَوْلَهُ: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: لَيْسَ ها هنا نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ قَالَ عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} فَلَمَّا أَثْخَنَ فِي الأَرْضِ كَانَ لَهُ أَسْرَى.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لا يُهَاجِرُ لا يَرِثُ قَرِيبَهُ الْمُهَاجِرَ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قال: بنا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كان المؤمنون على عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلاثَةِ مَنَازِلَ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَاجِرُ الْمُرَافِقُ لِقَوْمِهِ فِي الْهِجْرَةِ خَرَجَ إِلَى قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فِي دِيَارِهِمْ وَعَقَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَفِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا وَأَعْلَنُوا مَا أَعْلَنَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ وَشَهَرُوا السُّيوفَ عَلَى مَنْ كَذَبَ وَجَحَدَ فَهَذَانَ مُؤْمِنَانِ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِنُ الْمُهَاجِرُ بِالْوَلايَةِ فِي الدَّيْنِ، وَكَانَ الَّذِي آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لا يَرِثُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ، ثُمَّ الحِقَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ بِرَحْمِهِ.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: بنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن قهزاذ قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} قَالَ: وَكَانَ الأَعْرَابِيُّ لا يَرِثُ الْمُهَاجِرَ، وَلا يَرِثُهُ الْمُهَاجِرُ، فَنَسَخَهَا، فقال: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآيَةِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ الله، قال: أبناابن بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله ابن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قال بنا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قال: بنا عمر بن فروخ، قال: بنا حَبِيبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} قَالَ: لَبِثَ النَّاسُ بُرْهَةً، وَالأَعْرَابِيُّ لا يَرِثُ الْمُهَاجِرَ، وَالْمُهَاجِرُ لا يَرِثُ الأَعْرَابِيَّ حَتَّى فُتِحَتْ مَكَّةُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي الدِّينِ فَأَنْزَلَ الله {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الأَعْرَابِيُّ لا يَرِثُ الْمُهَاجِرَ وَلا يَرِثُهُ الْمُهَاجِرُ، فنسخها {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وَلايَةُ النُّصْرَةِ وَالْمَوَدَّةِ. قَالُوا ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنِ اسْتَنْصَرَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا فَانْصُرُوهُمْ إِلا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، فَلا تَغْدُرُوا بِأَهْلِ الْعَهْدِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى أَحْيَاءٍ مِنْ كُفَّارِ الْعَرَبِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَادَعَةٌ، فَكَانَ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِمْ عَاوَنُوهُ، وَإِنِ احْتَاجُوا عَاوَنَهُمْ فَنُسِخَ ذلك بآية السيف.

.بَابُ: ذِكْرِ الْآيَاتِ اللَّوَاتِي ادُّعِيَ عَلَيْهِنَّ النَّسْخُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ:

.ذِكْرُ الآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}.

زَعَمَ بَعْضُ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ مِمَّنْ لا يَدْرِي مَا يَنْقُلُ: أَنَّ التَّأْجِيلَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} وَهَذَا سُوءُ فَهْمٍ، وَخِلافٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ، فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ جُعِلَتْ لَهُ هَذِهِ الأَشْهُرُ على أربعة أقوال:
أحدها: أَنَّهَا أَمَانٌ لِأَصْحَابِ الْعَهْدِ، فَمَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَكْثَرَ مِنْهَا حُطَّ إِلَيْهَا، وَمَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَقَلَّ مِنْهَا رُفِعَ إِلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ انْسِلاخُ الْمُحَرَّمِ خَمْسُونَ لَيْلَةً. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الأَجَلُ خَمْسِينَ لَيْلَةً، لِأَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ نُودِيَ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقِيلَ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً مَنْ لَهُ عَهْدٌ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عهد، قاله مجاهد والقرظي وَالزُّهْرِيُّ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا أَجَلُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أَمَّنَهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ أَمَانُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ، فَأَمَّا مَنْ لا أَمَانَ لَهُ فَهُوَ حَرْبٌ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا أَمَانٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ وَلا عُهُودَ، فَأَمَّا أَرْبَابُ الْعَهْدِ فَهُمْ عَلَى عُهُودِهِمْ. قَالَهُ ابْنُ السَّائِبِ. وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ نَادَى يَوْمَئِذٍ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَعَهْدُهُ إلى مُدَّتِهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الأَشْهُرَ الَّتِي قِيلَ لَهُمْ فِيهَا {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ فَلا نَسْخَ أَصْلا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالأَشْهُرِ الْحُرُمِ: رَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ. وَهَذَا كَلامٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ} فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ يَجُوزُ قَتْلُهُ بَعْدَ الْمُحَرَّمِ، وَمَنْ لَهُ عَهْدٌ فَمُدَّتُهُ آخِرَ عَهْدِهِ فَلَيْسَ لِذِكْرِ رَجَبٍ ها هنا معنى.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

قَدْ ذَكَرُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ ثلاثة أقوال:
أحدها: أَنَّ حُكْمَ الأُسَارَى كَانَ وُجُوبَ قَتْلِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} قَالَهُ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ فِي آخَرِينَ، وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: {وَخُذُوهُمْ} وَالثَّانِي: بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ كَانَ الْحُكْمُ فِي الأُسَارَى، أَنَّهُ لا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ صَبْرًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَنُّ أَوِ الْفِدَاءُ، بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}. قاله مجاهد وقتادة.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الآيَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ، لِأَنَّ قوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} أمر بالقتل وقوله: {وَخُذُوهُمْ} أَيِ: ائْسِرُوهُمْ، فَإِذَا حَصَلَ الأَسِيرُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ صبراً، أي ذلك رأي فيه المصلحة للمسلمين. فعلى هَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ مِنْ نَاقِلِي التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ وَهِيَ آيَةُ السَّيْفِ نَسَخَتْ مِنَ الْقُرْآنِ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَعِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ صَارَ آخِرَهَا نَاسِخًا لِأَوَّلِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم. وَهَذَا سُوءُ فَهْمٍ. لِأَنَّ الْمَعْنَى: اقْتُلُوهُمْ وَأْسِرُوهُمْ إِلا أَنْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ، وَيُقِرُّوا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فخلوا سبيلهم ولا تقتلوهم.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}.

فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْمُعَاهَدَةِ ثلاثة أقوال:
أحدها: أَنَّهُمْ بَنُو ضَمْرَةَ.
وَالثَّانِي: قُرَيْشٌ. رُوِيَ الْقَوْلانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَكَثُوا وَظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ خُزَاعَةُ دَخَلُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَقَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ} أَيْ: مَا أَقَامُوا عَلَى الْوَفَاءِ بعهدهم {فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: ثُمَّ نُسِخَ هذا بآية السيف.

.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ أَبُو ذَرٍّ وَالضَّحَّاكُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا خَاصَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ، وَفِي المراد بالإنفاق ها هنا قولان:
أحدهما: إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا مُحْكَمَةٌ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي شريح، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد البغوي، قال: بنا الْعَلاءُ بْنُ مُوسَى الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: أَبْنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: مَا كَانَ مِنْ مال تؤدي زكاته فإنه ليس بكنز وإن كان مدفوناً وما ليس مدفوناً لا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، فَإِنَّهُ الْكَنْزُ الَّذِي ذكره الله عليه السلام فِي كِتَابِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالإِنْفَاقِ إِخْرَاجُ مَا فَضُلَ عَنِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَقَلَةِ التَّفْسِيرِ: أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِخْرَاجُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلامِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالزَّكَاةِ، وَفِي هَذَا القول بعد.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أبنا أبو أسامة عن عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وعراك ابن مَالِكٍ قَالا فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة} نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.

أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو داود السجستاني، قال: بنا أحمد ابن محمد قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} نَسَخَتْهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا حُكْمُ كُلِّ آيَةٍ قَائِمٌ في موضعها. فإن قلنا: إن قوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا} أُرِيدَ بِهِ غَزْوَةُ تَبُوكٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً النَّفِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا عَاتَبَ الْمُخَلَّفِينَ وَجَرَتْ قِصَّةُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الَّذِينَ اسْتَنْفَرُوا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ فَكَانَ عَذَابَهُمْ. فَإِنَّ أُولَئِكَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ حِينَ اسْتَنْفَرُوا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى إِحْكَامِ الآيَتَيْنِ وَمَنْعِ النَّسْخِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَكَى القاضي أَبُو يَعْلَى عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ هَاهُنَا نَسْخٌ، وَمَتَى لَمْ يُقَاوِمْ أَهْلُ الثُّغُورِ الْعَدُوَّ فَفَرْضٌ عَلَى النَّاسِ النَّفِيرُ إِلَيْهِمْ، وَمَتَى اسْتَغْنَوْا عَنْ إِعَانَةِ من ورائهم، عُذِرَ الْقَاعِدُونَ عَنْهُمْ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً}.

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال: في براءة {نْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} وَقَالَ: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} فَنَسَخَ هَؤُلاءِ الآيَاتِ، {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. وَقَالَ السُّدِّيُّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى}.
وَاعْلَمْ: أَنَّهُ مَتَى حُمِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ الَّتِي قَبْلَهَا لَمْ يُتَوَجَّهْ نَسْخٌ.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله}.

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: بنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: بنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد، قال بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} نَسَخَتْهَا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو دَاوُدَ السجستاني، قال: بنا محمد بن أحمد قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عن يزيد النحوي، عن عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله} نَسَخَتْهَا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ}.
قُلْتُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّسْخِ ها هنا مَدْخَلٌ، لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالآيَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَابَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أن يستأذنوه في القعود عَلَى الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَأَجَازَ لِلْمُؤْمِنِينَ الاسْتِئْذَانَ لِمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ حَاجَةٍ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا كَانُوا مَعَهُ، فَعَرَضَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ، ذَهَبُوا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ. وَإِلَى نَحْوِ هَذَا، ذَهَبَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدمشقي.